يعِدُ تلفزيون «الجديد» اللبنانيين بصناعة زعيم لهم. هو «ابتكار لبناني 100%» تقول داليا أحمد. بالطبع هي تقصد هنا برنامج «الزعيم» الذي تقدّمه. لأن الكلّ يعرف أن التلفزيون، كوسيلة إعلامية، لاعب أساسي في صناعة الزعماء حول العالم. لا ابتكار لبنانياً هنا. حقوق الملكية الفكرية تعود إلى الأميركيين بالدرجة الأولى.
إذا انطلقنا من هذه الخلفية لمناقشة «الزعيم»، سنكتشف أنّ قناة «الجديد» وضعت نفسها في ورطة، أو أنها تخوض مغامرة لا تدرك تداعياتها بعد، وإن كانت الحلقة الثانية التي بثّت أول من أمس بدأت ترسم محاذيرها. فهي في تصدّيها لاكتشاف مواهب قيادية في أوساط الشباب، تدخلنا إلى كواليس اللعبة الإعلامية السياسية... وتعرّيها.
تدّعي القناة أنها تريد أن تجد بين الجيل الشاب في لبنان، شخصية قيادية تحمل أفكاراً تغييرية. شخصيات تعمل ولا تنتقد. تضع حلولاً ولا تكتفي باستعراض المشاكل. باختصار، شخصيات مختلفة عن القيادات الحالية الموجودة. قيادات لا يتوقف معظم المشاركين في البرنامج عن انتقادها وشتمها كلّما أطلوا علينا. نستمع إليهم يكررون: «استحوا ع دمكم»، «عيب»، «اللي استحوا ماتوا»، «استقيلوا»، «تنازلوا عن عروشكم».
هذا ما يقوله الشباب خلال الثلاثين ثانية التي تعطى لهم يومياً. ومن هنا تبدأ المعضلة. كيف لشاب مجهول من قبل الجمهور اللبناني، أن يخاطبه في 30 ثانية؟ هذا وقت جدّ قصير ليقدّم لنا مشروعه التغييري وحلّه. في لعبة التلفزيون، عليه أن يكون مؤثراً ومقنعاً، إذاً عليه أن يبحث عن الكلمات المفاتيح التي تحرّك مشاعر المشاهدين. لذا، لا بدّ من توافر الشتيمة، استحضار الحالات الإنسانية (الطفل مؤمن المحمد)، وصفّ شعارات براقة في جمل غير مترابطة، لا تفعل أكثر من ترك أثر.
وهذا جزء من التسويق السياسي الذي يفترض أن لا يكون الزعيم، بمفهومه الجديد، مضطراً إلى اللجوء إليه لما فيه من مساوئ خصوصاً بالنسبة إلى مبتدئين. لكنه ليس كلّ شيء، وليس الأسوأ. وبما أن الملاحظات التي يمكن إيرادها كثيرة نكتفي بالإشارة إلى دور لجنة التحكيم.
بالطبع هي ليست صدفة أن يكون ثلاثة من أعضاء لجنة التحكيم إعلاميين: مريم البسّام (الجديد) وراغدة درغام (الحياة) وابراهيم الأمين (الأخبار). هذه ثقة مبرّرة في النفس أن ينصّب الإعلاميون أنفسهم حكاماً لاختيار زعيم جديد للبلد. إذ تخطى الإعلامي كثيراً دوره كسلطة رقابة، ثم كسلطة رابعة، ليصبح في أحيان كثيرة السلطة الأولى. وفي برنامج « الزعيم» تحديداً هم السلطة المطلقة. فكيف يمارسونها؟
الإعلاميون الثلاثة جزموا أمس أنّ الفريق الذي استحق الفوز هو الذي نجح في إنجاز مهمته كفريق: اسم لائحة، شعار، بيان سياسي وعقد مؤتمر صحافي. كان هذا كافياً بالنسبة إليهم ليحكموا، علماً أنهم صحافيون بالدرجة الأولى ومطلعون على كواليس البرنامج بالدرجة الثانية. أي أنهم يعرفون أن الفريق الأول، الذي يضمّ شخصيتين عامتين (نبيه عواضة وميريام كلينك)، وشخصيتين حزبيتين (نبيه عواضة ونعمت بدر الدين) نجح في مهمته بسبب امتلاكه مهارات وإمكانات يمتلكها عادة الزعيم التقليدي. علاقة مع الوزير السابق شربل نحاس، علاقة مع رئيس بلدية بعبدا، وعلاقات مع وسائل الإعلام. هذا الفريق نجح في نشر خبر عن لائحة وهمية، لن تترشح إلى الانتخابات، في الوكالة الوطنية للإعلام!
هل سأل أحدهم نفسه: من هو الذي يتصل بشربل نحاس ويحصل على موعد في اليوم نفسه؟ وما الذي يدفع وكالة الدولة الرسمية إلى نشر خبر، يصبّ في الترويج لأحد البرامج التلفزيونية؟ ولماذا حظي هذا الفريق بحضور مريم البسّام مؤتمره الصحافي شخصياً، وغابت اللجنة عن الفريق الثاني؟ وماذا عن «الفرص» المتتالية التي يحصرها ابراهيم الأمين بميريام كلينك، مميّزاً إياها عن بقية المشتركين؟ أما السؤال الأهم فهو: ماذا قرأت اللجنة من بيان المشتركين الفائزين؟ وماذا عرف عنه المشاهدون؟
لم تعذّب لجنة التحكيم نفسها في طرح أسئلة مماثلة. اللائحة الأولى أنجزت المهمة وهذا كاف. لكن أن تقول رانية غيث بأسى إنها اتصلت بـ12 صحافياً ولم يأت أحد للتغطية، فهذا ما تعدّه اللجنة فشلاً. تريد اللجنة فريقاً جاهزاً، قادراً على تنظيم حدث (وهمي ـ ترويجي) ودعوة الصحافة إليه، من دون أن تعرف مضمون هذا الحدث وما ورد فيه. لكنها، للأمانة، تهتمّ بمعرفة مضمون ما ورد في الفريق الخاسر. فيُترك علي طالب يتلو كلمته، وسط ذهول زملائه الذين يسمعونها للمرة الأولى. ماذا عرفنا أكثر عن الفريق الثاني؟ لا شيء. حتى «اللوغو» واللافتات «الأمر الوحيد الذي اتفق عليه الفريق» كما تقول مايا ترّو، وأشاد به عضو لجنة التحكيم المتخصص إيلي خوري، لم نرها بوضوح. لا بأس بما أن الأهمّ تحقق. واسمعوا ما تقوله البسّام: «نحن نحب أيضاً أن نستمع إلى خلافات السياسيين، وهم فعلوا مثلهم». علماً أن أي تحضير جيّد قبل الإطلالة كاف لتعرف اللجنة أنّ المشتركين لم يختلفوا من فراغ، وأنّ ما اعترضهم من مشاكل يعترض الكثير من الراغبين في العمل السياسي لكنهم لا يستطيعون بسبب هذا النوع من السلوك الإعلامي الذي تمارسه اللجنة حتى الآن. سلوك يدفع إلى طرح السؤال: هل هكذا يمارس الصحافيون عملهم اليومي؟ هل سيصفقون في الحلقة المقبلة للفريق الذي سيحصل على دعم قريب ومساعدة صديق، ليؤكدوا تحوّل الزعيم السياسي إلى شخصية ماهرة في العلاقات العامة والتسوّل على أبواب الجمعيات؟
«الزعيم»: كل ثلاثاء 20:40 على «الجديد»
9 تعليق
التعليقات
-
الوسط الشبابي يزخر بالفاعلينالوسط الشبابي يزخر بالفاعلين على الأرض في مختلف القضايا (إقتصاد، بيئة، حقوق العمال الأجانب، مقاومة الطائفية، مساندة الأسرى، إلخ...) لماذا لم يختر البرنامج المرشحين من هؤلاء؟ انهم أحق بالأموال و جهود التسويق التي تبذل في البرنامج !!! أم تريدون "زعيماً" بصناعة إعلامية ١٠٠٪ دون إحتكاك مع "الشعب" و تجربته (استثني هنا البطل نبيه عواضة) على كل حال البرنامج إنتهى منذ لحظة اكتشفنا أن ميريام كلينك من المرشحين. بالعربي المشبرح عم تستهبلونا؟ لا استغرب أن يكشف لنا طوني خليفة بعد اسابيع مضمون الإتفاق بين كلينك و الجديد إبراهيم الأمين ماذا تفعل في هكذا برنامج؟
-
انشاء الله ان يكون هذا العملانشاء الله ان يكون هذا العمل الفريد من نوعه مقدمة او مشروع خفي او بروفا على امر معين للقيام بثورة لتحرير لبنان من هذه الطبقة السياسية التى تعيش الى الابد وبالتوارث من وراء اكتاف اللبنانيين والذين يسرقون خزينة الدولة بصفقات عبر شركات وهمية وقد افلسوا البلد وهم يضحكون على لحى الناس والشعب الفقير وقد طال الزمان كثيرا لعذاب الشعب اللبناني على ايدي جلاديه الحاكمين.
-
موفقةهذا المقال إعلان ترويجي للبرنامج مبطّن.
-
الزعيم !!! لم ار لا طرحا و لا فكرا جديدا و لا حتى اسلوبا أو اطلالة ... لست أدري من يتحمل مسؤولية وصول محطة الجديد مع السادة... " الزعماء " الى هذا الفشل الزريع ؟؟؟
-
شي حلونقد محترف جداً ولافت وفي مكانه تماماً..على كل حال بات واضحاً أن البرنامج بلا طعمة وهو مجرد إستعراض على قناة خسرت الكثير الكثير من رصيدها(وقد خسرت المزيد أمس بعد ما حصل في الجامعة العربية!!!!!)...
-
مها زراقطأحسنت، عزيزتي، التوصيف والنقد. ربطتِ بين المعطيات ولم تكتفي بالظاهر، ونبّهتِ من اكتفى بالمعاينة السطحيّة إلى ما في العمق. ويُحسب ل"الأخبار" هذا الوضوح في نقد رئيسها على صفحاتها دون مجاملة أو محاذَرة، كما في نقد محاولة منح السلطة الرابعة نفسَها امتيازاتٍ فائضةً عن الضرورة.(هل انتبه المشاهدون إلى فوضى التعبير عند أعضاء لجنة التحكيم، وإلى عدم وضوح لغتهم وتحديد مقاصدهم رغم أنّهم جميعا من أهل الكلمة؟!! هل انتبهوا إلى أنّ (بعض) من بقي في الحلقة الأولى من المتسابقين كان مماثلا لمن خرج إن لم يكن أسوأ، ولكن لسبب ما نزل السخط على من أُخرج دون الآخر الباقي؟) ويحسب لك، أيضا يا مها، عدم الانسياق مع رهجة فوز الفائز على حساب الحقّ (الغامض) للخاسر "المرذول عادة"! كم كان بارعا التقاطك للمفارقة: بحث عن زعيم غير تقليديّ ولكنّ الفوز الأوّل كان لمن استخدم الوسائل التقليديّة المعروفة في صناعة الزعامة الفاسدة!! أمّا البرنامج نفسه فلا أظنّه يخرج عمّا تسمح به صناعة التلفزيون الّتي اخترع لأجلها: الترفيه! ومهما زعم القائمون عليه أنّهم يبحثون عن زعيم مختلف يقدّم إلى الناس لا أراهم هم أنفسهم يصدّقون زعمهم هذا. الزعامة لا تخلق ولا تصقل على شاشات العرض، فهذه الأخيرة إنّما تُشغل في جذب الأنظار طلبا للإعلان والمال، وهنا دائما بيت القصيد.
-
ما فهمنا وين المغزى..يعني أذا عربشوا المشتركين بالزعيم على العواميد هل هالشي بيعني لما يصير حدا منهم نائب بالبرلمان بيتسلق عامود او شبكة الكهرباء لإصلاحها كرمال المواطنين واعادة التيار !!
-
حتى الان لم يأت بجديد... حتى الان لم يأت بجديد... وبصراحة بدأنا نمل من مشاهدته
-
ضروري يعنيشو كان بدك بهالشغلة يا أستاذ إبراهيم ، لحتى خليت الست مهى تفقعك هالمحاضره